سورة المؤمنون - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}
أي {أولئك} الجامعون لهذه الأوصاف {هُمُ الوارثون} الأحقاء بأن يسمّوا ورّاثاً دون من عداهم، ثم ترجم الوارثين بقوله: {الذين يَرِثُونَ الفردوس} فجاء بفخامة وجزالة لإرثهم لا تخفى على الناظر. ومعنى الإرث: ما مرّ في سورة مريم. أنث الفردوس على تأويل الجنة، وهو: البستان الواسع الجامع لأصناف الثمر. روي أنّ الله عزّ وجلّ بنى جنة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وجعل خلالها المسك والأذفر. وفي رواية: ولبنة من مسك مذرّي وغرس فيها من جيد الفاكهة وجيد الريحان.


{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)}
السلالة: الخلاصة؛ لأنها تسلّ من بين الكدر، وفعالة، بناء للقلة كالقلامة والقمامة.
وعن الحسن: ماء بين ظهراني الطين.
فإن قلت: ما الفرق بين من ومن؟ قلت: الأوّل للابتداء، والثاني للبيان، كقوله: {مِنَ الأوثان} [الحج: 30].
فإن قلت: ما معنى: {جَعَلْنَا} الإنسان نطفة؟ قلت: معناه أنه خلق جوهر الإنسان أوّلاً طيناً، ثم جعل جوهره بعذ ذلك نطفة. القرار: المستقرّ، والمراد الرحم. وصفت بالمكانة التي هي صفة المستقرّ فيها، كقولك. طريق سائر. أو بمكانتها في نفسها؛ لأنها مكنت بحيث هي وأحرزت. قرئ: {عظماً فكسونا العظم} و {عظاماً فكسونا العظام} و {عظماً فكسونا العظم} وضع الواحد مكان الجمع لزوال اللبس؛ لأنّ الإنسان ذو عظام كثيرة {خَلْقاً ءاخَرَ} أي خلقاً مبايناً للخلق الأوّل مباينة ما أبعدها، حيث جعله حيواناً وكان جماداً، وناطقاً وكان أبكم، وسميعاً وكان أصمّ، وبصيراً وكان أكمه، وأودع باطنه وظاهره بل كل عضو من أعضائه وكل جزء من أجزائه عجائب فطرة وغرائب حكمة لا تدرك بوصف الواصف ولا تبلغ بشرح الشارح: وقد احتجّ به أبو حنيفة فيمن غصب بيضة فأفرخت عنده قال: يضمن البيضة ولا يرد الفرخ: لأنه خلق أخر سوى البيضة {فَتَبَارَكَ الله} فتعالى أمره في قدرته وعلمه {أَحْسَنُ الخالقين} أي: أحسن المقدّرين تقديراً، فترك ذكر المميز لدلالة الخالقين عليه. ونحوه: طرح المأذون فيه في قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يقاتلون} [الحج: 39] لدلالة الصلة.
وروي عن عمر رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ قوله خلقاً آخر، قال: «فتبارك الله أحسن الخالقين» وروي: أنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فنطق بذلك قبل إملائه، فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتب، هكذا نزلت» فقال: عبد الله: إن كان محمد نبياً يوحى إليه فأنا نبيّ يوحى إليّ، فلحق بمكة كافراً، ثم أسلم يوم الفتح.


{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)}
قرأ ابن أبي عبلة وابن محيصن: لمائتون. والفرق بين الميت والمائت: أنّ الميت كالحيّ صفة ثابتة. وأمّا المائت، فيدلّ على الحدوث. تقول: زيد مائت الآن، ومائت غداً، كقولك يموت. ونحوهما: ضيق وضائق، وفي قوله تعالى: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود: 12] {لَمَيِّتُونَ} جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة، والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه: دليلين أيضاً على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع.
فإن قلت: فإذاً لا حياة إلا حياة الإنشاء وحياة البعث.
قلت: ليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة وهي حياة القبر، كما لو ذكرت ثلثي ما عندك وطويت ذكر ثلثه لم يكن دليلاً على أن الثلث ليس عندك. وأيضاً فالغرض ذكر هذه الأجناس الثلاثة: الإنشاء والإماتة والإعادة، والمطوي ذكرها من جنس الإعادة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8